لم يكن برنابا الوارد ذكره في الكتاب المقدس واحداً من تلاميذ المسيح، كما أنه لم يكن من سكان فلسطين الذين شاهدوا أعمال المسيح وسمعوا تعاليمه، بل كان يهودياً من سكان جزيرة قبرص. ولما سمع الإنجيل بعد صعود المسيح إلى السماء بتسع سنوات تقريباً، آمن به مثل غيره من اليهود (أعمال 4: 36 و37). فلو فرضنا جدلاً أنه هو الذي كتب الإنجيل الذي ينسبونه إليه، لما جاز لأحدٍ أن يصدقه، لأن الشرط الأساسي في صدق الإنجيل أن يكون كاتبه واحداً من تلاميذ المسيح، أو رفيقاً له شاهد بنفسه كل أعماله.
أما الكتاب المسمى الآن إنجيل برنابا والذي ترجمه إلى العربية السيد خليل سعادة، ونشره في مصر السيد محمد رشيد رضا، فليست لكاتبه علاقة ببرنابا الذي ذكرناه. ومع أن الكاتب يقول إنه كان أقرب الرسل إلى المسيح وأحبّهم إليه، غير أنه ليس هناك شخص مسيحي يصدقه أو يقبل كتابه، لأسباب متعددة سنأتي على ذكرها.
لكن الذين يقبلونه، هم فقط فريق من إخواننا المسلمين الذين لم يدرسوا محتوياته دراسة دقيقة، ولكنهم يقبلونه لسببين رئيسيين:
(1) قوله إن المسيح ليس ابن الله، بل هو إنسان عادي,
(2) وقوله إنه لم يُصلب بل أُلقي شَبَهه على يهوذا الإسخريوطي، فصُلب بدله. لكن فضلاً عن أن الإنجيل الموجود بين أيدينا الآن، هو الإنجيل الحقيقي (كما اتضح لنا في الكتاب السابق) الأمر الذي لا يدع مجالاً للاعتقاد بصدق الإنجيل المنسوب إلى برنابا هذا، نقول: إن إنجيله أو بالحري كتابه، هو كتاب مزيف أُدخل حديثاً خلسةً إلى العالم مثل غيره من الكتب المزيفة، لتشويه الحقائق المسيحية ونشر آراء مضادة لها، بهدف تحويل بسطاء المسيحيين عن عقائدهم، كما يتضح من الفصول التالية.
أ - لو فرضنا أن هذا الإنجيل كان هو إنجيل المسيحيين في أول الأمر، أو بالحري قبل ظهور الإسلام، لما أشار القرآن إلى وجود اختلاف بينه وبين إنجيلهم، كما جاء في العنكبوت 29: 16. ولما أشار أيضاً إلى وجود القسوس لدى المسيحيين، كما جاء في المائدة 5: 80 لأن إنجيل برنابا لم يورد أي كلمة عن هؤلاء. ولو فرضنا أن إنجيل برنابا المذكور كان موجوداً مع إنجيل المسيحيين (لمتى ومرقس ولوقا ويوحنا) لحرَّضهم القرآن على التمسُّك به دون الباقين، بل وشهّر بالباقين! وبما أنه لم يفعل هذا أو ذاك، فلا بد من التسليم بأن الإنجيل المنسوب إلى برنابا، لم يكن له وجود لغاية القرن السابع الذي ظهر فيه الإسلام.
ب - لو كان هذا الإنجيل موجوداً بين القرنين الثامن والرابع عشر، التي ظهر فيها قدامى المفسرين المسلمين مثل الطبري وابن كثير، لما اختلفوا معه من جهة الشخص الذي قالوا إنه صُلب بدل المسيح، بل لأجمعوا كلهم على أنه يهوذا الإسخريوطي، كما جاء في الإنجيل المذكور. فلا جدال في أن هذا الإنجيل لم يكن له وجود لغاية القرن الرابع عشر.
ج - سجَّل كل المؤرخين المسلمين الذين عاشوا لغاية سنة 790 ه (آخر القرن 14م) أن إنجيل المسيحيين هو المكتوب بواسطة متى ومرقس ولوقا ويوحنا - إقرأ مثلاً مروج الذهب لأبي الحسن المسعودي ج1 ص 161 والبداية والنهاية للإمام عماد الدين ج2 ص 100 والقول الإبريزي للعلامة أحمد المقريزي ص 18 والتاريخ الكامل لابن الأثير ج1 ص 128. وهذا يدل على أن الإنجيل المنسوب إلى برنابا لم يكن له وجود لغاية القرن الرابع عشر كما ذكرنا.
د - وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن بعض هؤلاء المؤرخين سجلوا لنا أسماء تلاميذ المسيح، كما وردت في الإنجيل الذي كتبه لوقا تماماً (6: 12-16) إنما باختلافٍ بسيط في هجاء بعضها، اقتضته ضرورة نقلها من اليونانية إلى العربية، فقالوا إنهم بطرس ويعقوب ابنا زبدا ويحنس أخو يعقوب، واندراوس وفيلبس، وبرثلماوس ومتى وتوماس، ويعقوب بن حلفيا واتدراوس، وفتاتيا ويودا أكريابوط (البداية والنهاية لابن كثير ج2 ص92). وبالتأمل في هذه الأسماء لا نرى واحداً منهم يسمى برنابا أو اسماً مشابهاً له، كما يدَّعي كاتب الإنجيل الذي نحن بصدده في فصل 14: 12-17 وغيره. وهذا يبرهن كذبه وادعاءه.
ه - أخيراً نقول إن الأستاذ عباس محمود العقاد، الذي درس الكثير من الكتب الإسلامية والمسيحية قال في كتابه عبقرية المسيح ص126 إن الأناجيل (أناجيل المسيحيين) هي العمدة الوحيدة التي اعتمد عليها قومٌ هم أقرب الناس إلى عصر المسيح. وليس لدينا نحن بعد قُرابة ألفي عام عمدة أحق منها بالاعتماد . وبناءً على قوله هذا يكون الإنجيل المنسوب إلى برنابا، هو كتاب حديث مزيف كما ذكرنا.
أ - تدلّ نسخ الكتاب المقدس الأثرية، والكتب الدينية القديمة، والجداول التي عُملت في القرون الأولى لحصر أسفار الكتاب المقدس وتسجيل خلاصة محتويات كل منها، التي ذكرنا جزءاً منها في الجزء الأول من هذا الكتاب على أن الإنجيل المنسوب إلى برنابا لم يكن موجوداً في هذه القرون. فإذا أضفنا إلى ذلك أن المسيحيين كانوا منذ القرون الأولى للمسيحية يتعرضون للتهكم والاضطهاد بسبب اعتقادهم أن المسيح هو ابن الله، وأنه صُلب كفارة عن الخطاة، وهذان الأمران ينكرهما الإنجيل المذكور إنكاراً تاماً، لا يبقى لدينا شك في أنه لم يكن له وجود في القرون الأولى.
ب - على الرغم من انقسام المسيحيين إلى طوائف متعددة منذ القرن الرابع إلى الآن، بسبب اختلافهم في تفسير بعض الآيات التي وردت في الكتاب المقدس (كما يحدث في كل دين من الأديان) لم تظهر بينهم في أي عصر من العصور طائفة (مهما كان عدد أفرادها) تؤمن بهذا الإنجيل . فضلاً عن ذلك فإن العقائد المسيحية التي تناولها بالبحث رجال الفلسفة والدين، وأشار إليها علماء التاريخ في كل العصور والبلاد، لا أثر لها في الإنجيل المذكور، مما يدل على أنه غريب عن المسيحية، وأنه كُتب في الأزمنة الحديثة لتشويه الحق المسيحي، كما ذكرنا في المقدمة.
مما يدل على أن إنجيل برنابا إنجيل مزيف أن الآيات الواردة فيه ليست مقتبسة من التوراة العبرية التي كُتبت قبل الميلاد بمئات السنين، أو من الترجمة السبعينية اليونانية التي ظهرت في القرن الثاني للميلاد، بل مقتبسة (كما يقول العلماء) من الترجمة اللاتينية التي لم تظهر إلا في القرن الخامس للميلاد. وهذا يدل على أن الإنجيل المذكور إنجيل مزيف. ومن الأدلة على ذلك:
أ - جاء في فصل 82: 18 و83: 25 أن اليوبيل يقع كل مائة عام. مع أن اليوبيل كان يقع لغاية وجود المسيح على الأرض كل خمسين عام فقط (لاويين 25: 11). أما جعل اليوبيل كل مائة عام، فكان بأمر البابا بونيفاس الثامن سنة 1300م.
ب - وجاء في فصل 13: 19 عن فضل الزهد والتقشف أن المسيح لم تكن معه نقود. وفي 174: 2-11 بحث عما إذا كان سكان الفردوس يأكلون أو لا يأكلون. مع أن أهمية الزهد والتقشف لم تظهر في الشرق إلا في القرن الرابع، ولم تظهر في أوروبا إلا في العصور الوسطى. وكان ذلك في إيطاليا وأسبانيا بصفة خاصة (فجر الأندلس ص 28). وهكذا الحال من جهة البحث الخاص بنوع طعام سكان الفردوس، هل هو مادي أو روحي، فإنه لم يظهر إلا في هذه العصور، لأن الجهل كان يخيِّم عليها، حتى أنها سُمِّيت العصور المظلمة .
ج - وجاء في فصل 217: 88 أن نيقوديموس وضع مئة رطل من العطور على جثة يهوذا، ظناً منه أنها ليسوع. وجاء في 74: 16 أن المسيح قال إن الصيرفي ينظر في النقود ليرى هل هي من العيار المعهود. مع أن العثمانيين هم أول من استعملوا الرطل في القرن الرابع، عشر ثم نشروا استعماله في البلاد التي فتحوها، والبلاد التي كانت تربطهم بها علاقات تجارية، مثل إيطاليا وأسبانيا. كما أنهم هم أول من قال بمعايير الذهب، فأطلقوا على أجود أنواعه كلمة البندق . وكل من عاش في مصر حتى أوائل القرن العشرين يذكر أشياء كثيرة كانت توصف بأنها عثمانية.
د - جاء في فصل 105: 3 أن السماء تِسْع طبقات، عاشرها الفردوس (105: 7). وجاء في 59: 2 و135: 10 أن الجحيم مكّونة من سبع طبقات، كل طبقة لنوعٍ خاص من الخطاة، وأن الفَخور المتجبّر في قلبه يهبط إلى الدائرة السفلى، مارّاً بجميع الدوائر التي فوقها، فيعاني أقسى الآلام. وجاء في 135: 44 أن الله حكم على حواس الإِنسان بسبب شرها، ليس بالنار فحسب، بل وأيضاً بثلجٍ وجليد لا يُحتملان. مع أننا إذا رجعنا إلى الكتب الدينية والفلسفية القديمة، لا نرى واحداً منها قال بشيء من هذه الأمور. لكننا نراها مجتمعة في الكوميديا الإلهية التي كتبها دانتي شاعر إيطاليا في القرن 13م، وانتشرت بعد ذلك في القرون التالية له. وهذا يدل على أن كاتب الإنجيل الذي نحن بصدده عاش بعد هذا القرن. إذ لا يمكن أن يكون الاتفاق الموجود بين آرائه وبين آراء دانتي هو من باب المصادفة، لأن اتفاقهما ليس في أمرٍ واحد بل في أمور متعددة. كما أن هذه الأمور ليست منطقية أو علمية مما يتفق عليها بعض الناس، على الرغم من اختلاف أجناسهم والعصور التي يعيشون فيها، بل إنها أمور خيالية، إن خطرت ببال الواحد لا تخطر ببال الآخر.
ه - جاء في فصل 106 أن النفس تنقسم إلى حاسية وعقلية. وفي 17: 4-18 أن المسيح قال: الله صلاح، بدونه لا صلاح... الله حياة، بدونه لا أحياء. هو عظيم حتى أنه يملأ الجميع وهو في كل مكان. هو وحده لا ندَّ له، لا بداية ولا نهاية له. لكنه جعل لكل شيء بداية وسيجعل لكل شيء نهاية. لا أب ولا أم له، لا أبناء ولا إخوة ولا عشراء له. ولما كان ليس للّه جسم، فهو لا يأكل ولا ينام ولا يموت ولا يمشي ولا يتحرك، ولكنه يدوم إلى الأبد بدون شبيه بشري. لأنه غير ذي جسد، وغير مركب، وغير مادي. وأبسط البسائط... وبالاختصار أقول لك يا فيلبس إنه لا يمكنك أن تراه أو تعرفه على الأرض تمام المعرفة، ولكنك ستراه في مملكته إلى الأبد، حيث يكون قوام سعادتنا ومجدنا . وجاء في 43: 6-12 كل من يعمل، فإنما يعمل لغايةٍ يجد فيها غَناءً (أي غنى)، لذلك أقول لكم إن الله لما كان بالحقيقة كاملاً، لم يكن له حاجة إلى غَناء لأنه الغَنَاء عنده نفسه... وهل كان هذا هكذا، إلا لأن الله أراد ذلك ؟!
وبالتأمل في هذه العبارات نرى أنه لا يمكن أن تكون قد قيلت إلا بعد حدوث مباحثات ومناقشات من جهة النفس وخواصها، ومن جهة ذات الله وصفاته وأعماله. وأيضاً من جهة شخصية المسيح، وهل كان إنساناً عادياً أم كان هو ابن الله بمعنى المعلِنللّه أو الله مُعلَناً. كما نرى أن هذه العبارات مصاغة في أسلوب لم يكن معروفاً في البيئة التي عاش المسيح فيها، لأن هذه البيئة كانت تميل إلى الإيجاز، كما كانت تميل إلى البساطة في التفكير والتعبير. لكن بالرجوع إلى التاريخ نرى أن المباحثات الخاصة بشخصية المسيح ظهرت في أول الأمرفي القرن الخامس للميلاد. وأن المناقشات الخاصة بالنفس، وبذات الله والغرض من خلقه للعالم، واستعمال الاصطلاح أبسط البسائط عن ذاته تعالى، ظهرت في أول الأمر في القرن الثاني عشر للميلاد، وذلك على أثر انتشار كتب ابن سينا والفارابي وابن رشد وغيرهم ممن تثقّفوا بالثقافة اليونانية القديمة، واقتبسوا منها الشيء الكثير في شرح الموضوعات الدينية لديهم. وهذا يدل على أن كاتب الإنجيل الذي نحن بصدده عاش بعد القرن المذكور، واطّلع على ما كتبه هؤلاء الفلاسفة.
أجمع العلماء الذين اكتشفوا الإنجيل المنسوب إلى برنابا ودرسوه دراسةً دقيقة، على أن النسخة الأصلية منه ظهرت في أول الأمر سنة 1709م باللغة الإيطالية عند رجل يدعى كرامر، كان مستشاراً لملك بروسيا. وبعد أن أهداها هذا الملك إلى الأمير أوجين سافوي، أودعت بمكتبة فينا سنة 1738 ولا تزال محفوظة هناك إلى الآن. كما أجمعوا على أن الرسم الموجود على غلاف هذه النسخة هو من طراز عربي، وأن بالصفحة الأولى منها عبارات مكتوبة باللغة العربية، مثل: الله عظيم و·إذا أرديتم (أي أردتم) من الله شيئاً، أرديتم (أي أردتم) خير الأشياء . كما أنه توجد بهوامش النسخة المذكورة عبارات باللغة العربية، بعضها سقيم التركيب والبعض الآخر سليمهُ. ولما فحص هؤلاء العلماء الورق المستخدم في هذه النسخة ودرسوا الخط والأسلوب المكتوبة بهما، اتضح لهم أنها كُتبت في القرن 16 لا في القرن 18 الذي اكتُشفت فيه. كما اتضح لهم أن النسخة المذكورة لم تكن مترجمة من اليونانية التي كُتب بها إنجيل المسيحيين في أول الأمر، بل أنها مكتوبة أصلاً باللهجة الإيطالية التي انتشرت بعد عصر دانتي.
ويقول دكتور جورج سال العلاّمة الإنكليزي في ترجمته الإنكليزية للقرآن إنه وجد نسخة من هذا الكتاب أيضاً باللغة الأسبانية تكاد تكون معاصرة للنسخة الإيطالية، كتبها شخص اسمه مصطفى العرندي، يقول إنه ترجمها عن النسخة الإيطالية. وقد جاء في مقدمة النسخة الأسبانية أن راهباً يدعى فرامارينو زار مرة سكتوس الخامس بابا روما سنة 1585م فعثر لديه مصادفة على كتاب للقديس إيريناوس، ينقض فيه تعاليم بولس الرسول، ويشير إلى كتاب يدعى إنجيل برنابا المذكور. وصلى الراهب طالباً أن ينام البابا، فنام. وانتهز الراهب الفرصة وأخذ يبحث في مكتبة البابا، فعثر على هذا الإنجيل وفي الحال خبأه في ردائه وانتظر حتى استيقظ البابا، فاستأذن منه وانصرف. ولما درس الإنجيل المذكور اعتنق الإسلام. وفي ضوء ما تقدم نقول:
أ - إن الإنجيل الذي يؤمن به المسيحيون جميعاً كُتب في أول الأمر بواسطة بعض أتباع المسيح، باللغة اليونانية التي كان يتكلم بها معظم سكان فلسطين وقتئذ. فلا يمكن أن يكون كاتب الإنجيل المنسوب إلى برنابا واحداً من هؤلاء الأشخاص. لأنه لو كان الأمر كذلك لكتب أولاً باليونانية، وترجم منها إلى لغات أخرى، وانتشر تبعاً لذلك منذ القرون الأولى في البلاد التي تتحدث بهذه اللغات، ولكان يوجد منه الآن نسخ أثرية باللغة اليونانية، واقتباسات أيضاً منه في الكتب الدينية القديمة (كما هو حال الإنجيل المكتوب بواسطة متى ومرقس ولوقا ويوحنا، كما ذكرنا فيما سلف) إذ لا يعقل إطلاقاً أن يكون هذا الإنجيل وحده قد اختفى عن أنظار العالم في القرن الأول، ولم يظهر إلا في القرن 16 بلغتين غريبتين عن اللغة التي كانت منتشرة في فلسطين في القرن الأول للميلاد.
ب - إن قصة العثور على هذا الكتاب لا يمكن أن تكون حقيقية، للأسباب الآتية:
(1) إن مؤلفات إيريناوس لا تزال موجودة لغاية الآن، وكلها تتوافق مع الإنجيل الذي بين أيدينا، ومع رسائل بولس الرسول أيضاً، كما ذكرنا في الجزء الأول من هذا الكتاب.
(2) إن برنابا الحقيقي (كما يتضح من الكتاب المقدس) كان قد باع ممتلكاته ووزع ثمنها على الفقراء إكراماً للمسيح الذي بذل نفسه كفارة على الصليب من أجله ومن أجل غيره من الناس (أعمال 4: 36 و37). ثم أتى بعد ذلك ببولس الرسول إلى تلاميذ المسيح وعرفهم به (أعمال 9: 27). كما سافر معه للمناداة بالإنجيل في دربة ولسترة وإيقونية وأنطاكية (أعمال 14: 20 و21) وأورشليم (غلاطية 2: 1) وتحمل معه آلاماً واضطهادات كثيرة بسبب هذه الخدمة (1كورنثوس 9: 6). وبعد ذلك نادى بالإنجيل مع مرقس البشير في قبرص وغيرها من البلاد (أعمال 15: 39). ومما يدل أيضاً على أن برنابا ظل متمسكاً إلى نهاية حياته بالحقائق المسيحية، وفي مقدمتها موت المسيح كفارة على الصليب، أن له رسالة يرجع تاريخها إلى حوالي سنة 100م جاء فيها إننا نحفظ اليوم الثامن (أو بالحري يوم الأحد، لأن السبت كان يدعى اليوم السابع) بفرح وابتهاج، لأنه اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات . كما أن بعض رجال الدين في شمال إيطاليا عملوا قداساً في القرن الخامس، وأطلقوا عليه قداس برنابا ، لأن برنابا هو الذي نادى بالإنجيل في بلادهم في أول الأمر. والقداس المذكور على نمطٍ خاص يُعرف عند المؤرخين بالطقس الميلاني.
(3) إن رؤية المدعو فرامارينو مصادفة للكتاب المنسوب إلى إيريناوس، ووقوع سبات عميق على البابا بناءً على صلاة فرامارينو، وعثوره بعد ذلك بالمصادفة أيضاً على الإنجيل المنسوب إلى برنابا، وسرقته إياه وهروبه دون أن يراه أحد كل هذه تصرفات أقرب إلى الروايات المصطنعة منها إلى الحقائق الواقعة. فليس من المعقول أن يكون البابا قد غطّ في النوم أثناء زيارة الراهب له. وليس من المعقول أن يسرق الراهب الكتاب، فقد كان يمكنه أن يستعيره، أو أن يقرأه على دفعات في مكتبة البابا. ولو فرضنا أن هذا الراهب كان لصاً، فكيف استجاب الله صلاته وأوقع على البابا سباتاً عميقاً ليتمكن للراهب المذكور من القيام بالسرقة المزعومة!!
وإذا كان الأمر كذلك، فلا يمكن أن يكون أحد رسل المسيح الأولين قد كتب هذا الإنجيل . بل من المؤكد أن أحد المدَّعين كتبه في القرن السادس عشر، كما اتضح لنا مما سلف، وكما يتضح بأكثر تفصيل في الفصول التالية.