اعلم يا أخي
القارئ أن الإيمان بالملائكة مقترن بالإيمان بالله وكتبه و رسله واليوم الآخر
والقد ر خيره وشره وذلك كما جاء في الآية الكريمة ( آمن الرسول بما أنزل
إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد
من رسله(
وكما و رد
في آية أخرى : (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا
بعيداً ) ولم يرد في القرآن الكريم شئ عن حقيقة الملائكة ، ولكن ذهب
أكثر علماء المسلمين إلى أن الملائكة أجسام نورانية لطيفة أى من تكوين غير
مادى قاد رة على التشكل بأشكال مختلفة مستدلين على ذلك بأن الرسل
كانوا يرونهم كذلك
. وروى الأئمة أحمد ومسلم والبيهقى رضى الله عنهم عن السيدة عائشة رضى الله
عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خلقت الملائكة من نور
، وخلق الجان من مارج من نار. وروى الأئمة أحمد ومسلم وابن ماجة رضى الله عنهم
عن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : " بينما نحن جلوس عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثوب
شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى
جلس إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه
على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام . فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا
رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتى الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت
إليه سبيلا . قال ؟ صدقت . فعجبنا له ؟ يسأله ويصدقه ! ! قال : فأخبرنى عن
الإيمان . قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر ، وتؤمن
بالقدر خيره وشره . قال : صدقت . ثم قال : فأخبرنى عن الإحسان . قال : أن تعبد
الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك . . . ثم انطلق فلبث مليا، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمر ، أتدرى من السائل ؟ قلت : الله
ورسوله أعلم . قال : فإنه جبريل ، أتاكم يعلمكم دينكم والملك إذا حضر
مجلسا قد يراه البعض دون البعض الاخربحسب حال الرائى فى الصفاء والاستعداد
وغير ذلك . ومعنى الإيمان بالملائكة التصديق بوجودهم ، فالبشر فى حالتهم العادية
غير مستعدين لرؤية الملائكة أو الجن فى صورتهم الحقيقة التى خلقهم الله عليها
، وقد كان سيدنا جبريل عليه السلام يتمثل لسيدنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم على صورة أحد الصحابة وهو دحية الكلبى كما كان يأتى
أحيانا فى صورة غيره من الرجال - كما تمثل لسيدتنا مريم عليها السلام بشرا
سويا ونزلت الملائكة فى غزوة بد ر على الخيول المسومة ، وقد أسدلوا ذ
وائب عمائمهم على مناكبهم . والملائكة أقسام كثيرة فمنهم الملائكة "
ا لسماويون " ، ومنهم " الأرضيون " ، ومنهم " الصافون " ، و " المسبحون " ،
كما أن منهم " المدبرون " الذين يدبرون الأمر من السماء إلى الأ رض على ما
سبق به القضاء ، وجرى به القلم الإلهى . وقد أشارالله تعالى إليهم فى ايات
كثيرة : فقال تعالى: ( وإنا لنحن الصافون )( وإنا لنحن المسبحون ) وقال كذلك
: (والنازعات غرقا * والناشطات نشطا * والسابحات سبحا * فالسابقات سبقا * فالمدبرات
أمرا ) وقد روى فى الأثر : " إن ملائكة الله تعالى طوائف شتى: منهم الموكلون
بتدبير الكائنات ، ومنهم الموكل بقبض الأرواح ، وفريق منهم يكتب الحسنات والسيئات
، واخر يقوم بتنمية النباتات " . وقد غصت بهم صفحات السماء ، ويؤيد ذلك ما
رواه الأئمة أحمد والترمذى وابن ماجة من حديث أبى ذ ر الغفارى رضى الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إنى أرى ما لا ترون ، وأسمع ما
لا تسمعون .. أطت السماء وحق لها أن تــئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك
واضع جبهته ساجدا . والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
وما تلذذتم بالنساء على الفراش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى
ولا يعلم أحد إلا الله ما يكلف به الملائكة من أعمال ، وما يوكل إليهم من أمور
؟ فمنهم من يحمل العرش ، ومنهم الكروبيون ، والمقربون الهائمون فى جلال الله
المستغرقون فى التسبيح والتحميد والتهليل ( يسبحون اليل والنهار لا يفترون
) ومنهم من يقوم بتنفيذ أوامر الله فى العباد ، وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى
بقوله( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )، ومنهم السياحون الذين
قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله ملائكة سياحين يبلغوننى
عن أمتى السلام " وهم يستغفرون لمن فى الأرض ، ويرجون رحمة الله أن تتغمدهم
، ويدعون لهم بالوقاية من المعاصى والذنوب ، والنجاة من الخطايا والاثام .
قال تعالى ( والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن الأرض ) كما أمرهم الله
تعالىبحفظ عباده ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله )
والملائكة جميع أقسامهم عباد مكرمون وهم ليسوا ذكو را ولا إناثا ولا يأكلون
، ولا يشربون ، ولا ينامون ، ولا يتناسلون ، ولا يكتب لهم عمل ، لأنهم هم الذين
يكتبون أعمال العباد، فهم لا يحاسبون ؟ إذ ليس لهم سيئات يسألون عنها فلقد
عصمهم الله تعالى ولا يعرف عدد الملائكة إلا الله ( وما يعلم جنود ربك إلا
هو ) وهم من الكثرة الهائلة بقدر ما يقومون به من أعمال جليلة وكثيرة لا حصر
لها : من عبادة وتسبيح وتهليل وتحميد واستغفار وتمجيد ، فضلا عما يكلفون به
من تنفيذ أوامر الخالق جل وعلا في الحفاظ على مخلوقاته ، ومعاونة الإنسان في
الأرض ، وتسهيل قضاء الله فيما أبدعه من أكوان ، وتصريف شؤون السماء
والأرض - وفق حكمته وما قضت به مشيئته ( ويخلق مالا تعلمون ) وبعد .
. . فإذا كان من شؤون الملأئكة أن يحفظوا المؤمنين من السوء ، ويعاونوهم على
أمو ر دنياهم ، ويستغفروا لهم من السيئات ،
ويدعوا لهم
بالنجاة من النار والفوز بالجنات فإن عليك أن تكون أهلا لهذا الحفظ
وتلك المعونة
وذلك الأستغفار بأن تتجه بكليتك إلى الله تعالى فى الرخاء والشدة
وأن تستعين
به وحده فى مواجهة الشدائد ومجابهة الخطوب ومدافعة الأحزان
وبهذا يكشف الله كربك ويفرج همك ويريح روحك